النصائح العشر لإنتاج أفلام توثيق المشاريع الإنسانية والخيرية

Apr 20, 2021

مقال لـ يوسف حمدان، مستشار الإعلام والاتصال التنموي، والمدير التنفيذي لـ أيكون برو للاتصال التنموي.
 

في مواسم العمل الخيري مثل شهر رمضان المبارك تبلغ أنشطة الجمعيات والمؤسسات الخيرية وغير الربحية ذروتها والمؤسسات الخيرية وغير الربحية، وتنتج هذه الجهات أفلاماً ترويجية لأفكارها ومشاريعها الإنسانية، وأخرى لتوثيق أنشطتها وإنجازاتها، بعض هذه الأفلام يطلبها المانحون بشكل تلقائي كشرط من شروط ضمان جودة العمل وضمن متطلبات الاتصال المؤسسي لجميع الأطراف.

 غير أن هذه الأفلام التي تنتج بتلقائية أو تحت ضغط العمل، قد لا تتوفر على المواصفات الفنية والأخلاقية المناسبة الملائمة لهذا الحقل المعرفي والعملي الحساس والدقيق، ما يعني إنتاج فيديوهات وأفلام لا تستجيب لأخلاقيات المنتجات الإعلامية في العمل الإنساني والخيري، وأحياناً لا ترقى لمستوى الفكرة التي يحملها الفيلم أو المقطع، وذلك على مستوى المضمون المتمثل في إظهار الحاجة الحقيقة وأثر العطاء، أو على المستوى الفني المتمثل في الحبكة والإخراج، أو على مستوى أخلاقيات المهنة الإعلامية والإنسانية.

في هذا المقال، تسلط أيكون برو الضوء على أهم الوصايا - العشر - الواجب مراعاتها عند إنتاج فيلم لتوثيق أو تسويق المشاريع الخيرية والإنسانية، متناولاً بذلك مثالاً لفيلم توثيقي أصدرته إحدى الجمعيات الناشطة في المجال الخيري في مدينة غزة بفلسطين، وذلك لإسقاط المفهوم النظري على مثال تطبيقي يقرب المعنى المقصود للمشتغلين في هذا القطاع الثالث من أجل إنتاج أفلام توثيقية بشكل حرفي ومهني. 

شاهد المثال من خلال الرابط المرفق ثم تابع قراءة النصائح العشر: https://fb.watch/4_Fryqdcwl/ 

  1. الحالات الفردية أفضل من المشاريع الكلية: من زاوية تسويقية فإن عرض الحالة الفردية على المتبرعين والمحسنين أو المشاهدين، أكثر أثراً في النفس من التسويق للأرقام والحالات الكلية المتعددة، فالاحتياج الفردي أسهل للتسويق من الاحتياج الجماعي من حيث القيمة المالية للمشروع، كما أن تنفيذ الحالات الفردية يسهُل متابعة تفاصيلها تسويقياً وتوثيقياً مقارنةً بالأعمال الكلية، فضلاً عن أن التسويق للحالات الفردية أكثر رواجاً في الفضاء الاجتماعي والرقمي من الحالات العامة، ما يعني تعاطفاً أكثر وتحسين سمعةٍ وانتشارٍ أفضل وتعزيز وثوقيةٍ أكبر.
  2. ثلاثية التسويق الخيري: إظهار أُثر المساعدة أو التدخل الإنساني بشكلٍ مباشر على الحالة المقصودة يُسهِّل على المشاهد والمتبرع تكرار عملية التبرع لحالاتٍ مشابهة، فهو يرى العوامل الثلاث المفتاحية في عملية التبرع:
    1. إظهار الاحتياج الحقيقي بشكل موضوعي ومؤثر.
    2. إظهار طبيعة وحجم التدخل لتغيير الواقع.
    3. إظهار التغيير الذي أحدثه التبرع مادياً ومعنوياً.

هذه الثلاث في مقطع فيديو واحد من شأنها أن تعمق ثقة المتبرع ورغبته في ديمومة العلاقة وتشجع المشاهدين على أن يكون لهم دور مماثل في الحالات الأخرى.

  1. كرامة المستفيد أهم من تلبية احتياجه: إخفاء وجوه المستفيدين وعدم إظهار ما يدل على هويتهم سيما وهم في وضعية الانكسار والاحتياج مسألة في غاية الأهمية، فاحترام المعطيات و"البيانات الشخصية" للحالات المستفيدة لا يقل أهمية عن حقيقة الاحتياج والعوز، حتى لو كانت الحالة المستفيدة تقبل بذلك، فعند العوز يكون الإنسان ضعيفاً وعندما تنتهي الحالة ينتابه شعورٌ بالغدر وقد تلحق به مَعَرَّة غير مقصودة نتيجةً لكشف هويته كمستفيد.
  2. الحلول الفنية لتلبية احتياجات المانحين موجودة: دائماً هناك مسافة ممكنة بين التوثيق المطلوب للجهات المانحة وبين الترويج المقصود منه تعزيز الواردات لحالاتٍ مشابهة، ومن الناحية الفنية المعادلة ليست صفرية بتعلة أنه "لابد من استعطاف المانح بدموع المحتاج"، فهناك عشرات الطرق والأفكار والزوايا التي يمكن من خلالها إظهار الحالة مع مراعاة كرامة المستفيد، والخلط بين التوثيق والتسويق في منتجٍ واحد يجعل الحرص أكبر على إيجاد حلول فنية إبداعية تحافظ على كرامة المستفيد وتلبي احتياجات المانح، فالإمعان في إظهار بكاء العَوَز للحالة المستفيدة أمرٌ مؤذٍ لنفس المشاهد وللمستفيد نفسه على المدى البعيد فتجنبه أو التخفيف منه أمرٌ مهم، فذلك أليق بعزة نفس المستفيد وجميع الأطراف ذات الصلة.
  3. اختصار مدة الفيديو أهم من إطالته: الفيديو التسويقي في العمل الخيري الذي يراعي ثلاثية التسويق المذكورة سابقاً "الاحتياج، التدخل والأثر" ليس بالضرورة أن يكون طويلاً، والحل هو في اتباع القاعدة الإخراجية المشهورة (لا تستطيع أن تقول كل شيء في فيلم)، لأنه كلما طالت مدة الفيديو كلما شكّل ذلك تهديداً على قدرة المشاهد على المتابعة، وكلما احتاج الأمر لمزيدٍ من الإبداع في الحبكة الإخراجية بغية إبقاء المشاهد في حالة متابعة، لذلك قوة الفيديو في قصر زمنه دون الإخلال بالأدوار الثلاث المذكورة.
  4. طريقة عرض الفيديو يحدد زمنه: التفريق بين أنواع الوسائط التي ستعرض عليها المادة المصوّرة أمرٌ مهم عند التوثيق أو التسويق للعمل الإنساني من خلال مادة بصرية، فمادة ستعرض على الشاشة أمام مجموعة من الناس في لقاءٍ مخصص لمتابعة المشروع لا بأس بها أن تكون في حدود ما يُسمى بـ "الخمس خمسات" والتي تساوي 25 دقيقة كحدٍ أقصى. أما مادة ستعرض على السوشيال ميديا فإن "خمسة" واحدة تعتبر طويلة بالنظر إلى قدرة المشاهد على البقاء مشدوداً للنهاية، وهذا محسوب تقنياً ويمكن الرجوع إليه لمعرفة مدة مشاهدة الفيديوهات المثالية، فمن المهم الإجابة على سؤال (أين سنعرض الفيلم؟) قبل الشروع في إنتاج الفيلم، لأن عمل فيلم واحد يعرض في كل مكان وعلى كل وسيط هو وصفة غير جيدة تسويقياً.
  5. الجمعية ليست بطل الفيلم: المساحة التي يمكن أن يتم الاختصار في إظهارها من الزمن الكلي للفيلم تقع في المرحلة الثانية في ثلاثية التسويق، وهي إظهار التدخل الذي يقوم به الوسيط -غالباً ما تكون الجمعية- فما المعني من إظهار تفاصيل دقيقة لعملية التدخل سواء كانت؛ تعليب طرود، أو بناء بيت، أو ذبح أضحية...إلخ؟ إن الإفراط في إظهار ذلك بصرياً لا يفيد المشاهد في شيء، بل يُعتبر استعراض عضلاتٍ للجهة المنفذة الذي قد تضطر إليه لدى الجهة المتبرعة وليس لدى الجمهور، وهناك عديد التقنيات في المونتاج التي يمكن من خلالها اختصار زمن هذه المرحلة بصرياً بالنسبة للزمن الكلي الذي سيحمله الفيلم، وتذكروا الجمعية ليست بطل الفيلم، البطل هو الشخص المحتاج والمنقذ هو المتبرع، أما الجمعية فهي الشخصية المساعدة "الوسيط" في سيناريو الفيلم.
  6. المدة المثالية لطول الفيلم؟: كجهة مختصة في الاتصال التنموي ننصح أن يتم عمل أكثر من نسخة من نفس الفيلم التوثيقي أو الترويجي على النحو الآتي:
  1. نسخة "خمس خمسات" لليوتيوب وللعرض على مجالس الإدارة، والمحسنين والمعنيين بالتفاصيل.
  2. نسخة مختصرة "خمسة" واحدة "من 3-5" دقائق للتداول الرقمي كقصة كاملة فيها الثلاثية الذهبية بشكلٍ مختصر "دقيقتين احتياج، دقيقة تنفيذ، ودقيقتين أثر". المهم هو الاحتياج والنتيجة وليس التدخل.
  3.  نسخة من دقيقة للتداول على السوشيال ميديا، وهي نسخة مركّزة ذكية تعتمد على المونتاج الذي يُظهر الاحتياج في 20-30 ثانية، والتدخل في 10 ثواني وبقية الدقيقة للأثر.
  1. الصوت هو حامل المشاعر: الصوت هو الجزء الذي يجب الانتباه إليه أكثر من الصورة سيما في النسخة الطويلة من الفيلم، فصوت الحوار والصوت الطبيعي إضافةً للموسيقى الوظيفية التي تُكمّل المشهد البصري وتحمل المشاعر وتحرك الوجدان يجب ألا يُتَعَامَل معها على أنها مكون تكميلي في الفيلم، بالإضافة إلى مراعاة حقوق النشر كتجنب استخدام الأناشيد أو الموسيقى التي شاع استخدامها للعمل الخيري هو أمرُ من شأنه أن يعزز من فرص تأثير المنتج "السمعي والبصري" في نفوس المشاهدين.
  2.  النص والكلام المحكي: الارتجال أقوى أثراً من الديباجات المنمقة، وإن كان اختيار الكلمات والمعاني أمراً في غاية الأهمية، ولكن الأهم هو أن يكون الكلام المحكي في الفيلم ذو دور وظيفي وليس تكراراً لما تقوله الصور، دع الصورة تتكلم، ثم ليغطي الكلام المحكي الجزء الذي لم تظهره الصورة (أرقام، إحصائيات، معطى ديني أو عاطفي أو علمي، كلمة موجهة مركزة للجمهور أو للمانح)، المهم أن تجعل النص المحكي ذو هدف في ذاته وإلا فعدم وجوده أفضل من حشره دون جدوى.

وفي النهاية يمكن أن نلخص القول بأن الهدف من إنتاج الفيديوهات الخيرية التسويقية هو إبراز الاحتياج الإنساني والتحفيز على المساهمة والمشاركة للحالة المعنية وبالتالي للحالات المتبقية، لذلك من المهم أن نربط المُشاهِد أو المُحسِن (بآفاقٍ رحبة وجديدة) تفتح المجال لديمومة العمل الخيري وتعطي الفرصة لمشاهدين آخرين شاهدوا الفيديو ويريدون أن يساهموا في حالاتٍ جديدة، ففتح الآفاق في نهاية الفيديو هو المشهد الغائب في معظم الإنتاجات التي تنجز على عجل أو تحت ضغط واقع العمل الخيري.

هذا النقد والتحليل والتفكيك يهدف إلى تطوير العمل وتحسين جودته، حتى لا نقع في دائرة التقليد المُفضي إلى تردي جودة المنتج الإعلامي الخيري فضلاً عن تأثيره العكسي على عملية التدخل الإنساني، وبالتالي من الضرورة بمكان تقبل النقد والتعامل بصدرٍ مفتوح مع الأفكار التي تطور العمل وتقدم اقتراحاتٍ عملية تهدف في النهاية إلى الارتقاء بالعمل وتحسين جودته.

 

تحرير: طارق عبد الرازق، مستشار ضبط المحتوى الإنساني لدى أيكون برو للاتصال التنموي.

 

كلمات مفتاحية

  • الجمعيات
  • الخيرية
  • الإنسانية
  • أفلام
  • توثيق
  • مشاريع
  • المستفيد
  • المتبرع
  • النصائح