من منحك الحق في تصوير أطفالي دون إذني؟

Feb 11, 2023

تحرير: طارق عبد الرازق

مستشار في القانون الدولي الإنساني

كتبت "جمانة مصطفى" مقالاً بعنوان "من أعطاك الحق في تصوير أطفالي وأنا ميت؟"، وهو مقال يأتي في ظل التوثيق الإعلامي الذي يمارسه الأفراد والمؤسسات في أوقات النزاعات والكوارث والأزمات والذي لا يراعي بحسب الكاتبة ما يعرف بـ "أخلاقيات الصحافة والمعايير المهنية" أو بمسمى آخر "أخلاقيات التوثيق الإعلامي", وذلك من خلال تصوير الأطفال وأهاليهم وهم في أصعب اللحظات، تماماً كالتوثيق الذي حدث خلال الأيام الماضية بعد وقوع زلزالٍ مدمرٍ ضرب بعضاً من مناطق تركيا والشمال السوري، حيث تسابق الأفراد وكذلك المؤسسات لتوثيق أوضاع هؤلاء الضحايا كالأطفال من خلال تصويرهم وهم يخرجون من تحت الأنقاض مذعورين، فضلاً عن الآخرين الذين ما زالوا عالقين بين ركام الأبنية التي تحطمت بفعل شدة الزلزال، الأمر الذي دفع الكاتبة للتساؤل بلسان أب الضحية قائلة: من أعطاك الحق في تصوير أطفالي وأنا ميت، وغير موجود للدفاع عنهم وحمايتهم من عيون البشر الشرهة وهي تلتهم يتمهم وخوفهم وتغذي الرغبة المريضة بمشاهدة الموت من بعيد؟

أيضاً أصدرت مجلة الصحافة التابعة للجزيرة مقالاً يتناول أخلاقيات صور الأطفال، حيث ذهب المقال إلى القول بضرورة الالتزام بمعايير مهنة الصحافة وذلك من خلال طرحها مجموعة من النقاط من شأنها أن تساهم في ترسيخ مجموعة من  الأخلاقيات أثناء التوثيق الإعلامي.

في هذا المقال سنقدم ملخصاً لأهم النقاط الواردة في المقالين والمتمثلة بالمحاور الآتية:

  1. هل نفقد الحق في خصوصيتنا في الكارثة؟

لأسبابٍ كهذه شاع مؤخراً مصطلح "أخلاقيات مهنة الصحافة" أو "أخلاقيات التوثيق الإعلامي"، والتي تفرض علينا بديهيات لا تختلف عن أية بديهيات تفرضها علينا منظومة القيم الأخلاقية، فمن الطبيعي أن نراعي خصوصيات الآخرين (الضحايا) وألا نصورهم بدون إذنهم، وألا نستغل لحظات الرعب التي يعيشها الأطفال نتيجة الكوارث التي حلت بهم لنبيعها هي وصورهم للغرباء في كل مكان، فضلاً عن الاحترام الواجب لخصوصية الموتي والمتمثلة بعدم التسابق لتصوير جثثهم المتناثرة هنا وهناك. هذه القواعد الأخلاقية مفروضة علينا في الأوقات الطبيعية، فما الذي يتغير حينما تقع الكوارث والأزمات؟

من المشاهد الطبيعية حينما تقع الكوارث هو مشاهدة سيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ تهرع للمكان، غير أنه في السنوات الأخيرة وفي ظل الثورة التكنولوجية الآخذة في التطور أصبحنا نرى أنواعاً مختلفة من الكاميرات تسبق سيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ لأماكن الكوارث والأزمات، فكل شخصٍ لديه محمول أصبح يمثل كاميرا متنقلة، الأمر الذي يستلزم معه -أكثر من أي وقت مضى- المطالبة بالحق في الخصوصية.

وإذا كان غير الصحافيين مدركين لهذه البديهيات المهنية، فإن المؤسسات الإعلامية وكذلك الخيرية تعرفها جيداً، غير أن هذه المؤسسات في كثيرٍ من المناسبات تتجاهل أدبياتها بمحض إرادتها لتقود هذه الشره، فالمؤسسات الإعلامية ترى في ذلك سبقاً صحفياً يمكن أن يميزها عن غيرها من المؤسسات الإعلامية، والمؤسسات الخيرية تنفذ ذلك باعتباره متطلباً أساسياً في العلاقة مع المانحين، مع عدم مراعاة هذه المؤسسات لحجم الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها هذه الممارسات على صعيد الضحايا وكذلك على صعيد المنظومة الأخلاقية أو الصورة الذهنية الأخلاقية لهذه المؤسسات.

  1. رغبة غرائزية

هنالك توحش وشره إلكتروني يتغذى على صور الموتى والمصابين دون أدنى شعور بالذنب أو بالانتهاك، بل وقد يصاحبه شعور بالتفرد والفوز بأخذ اللقطة، وهو توحّش بأدوات متطورة وبسيطة، ويتسبب بإيذاء واسع الانتشار من خلال وصوله لأكبر قدر ممكن من الجمهور.

في تاريخ البشرية الكثير من السقطات الأخلاقية التي مرت وتم التصالح معها فقط بسبب انتشارها، كاضطهاد النساء والأطفال، وقبول الطبقية، فهل سنطبّع علاقتنا كبشر مع الشره البصري الجديد فقط لأنه منتشر؟ هل سيصبح انتهاك حق الأشخاص في الخصوصية مقبولاً إذا صاروا في لحظة أضعف من أن يرفضوا أو يدافعوا عن أنفسهم.

  1. ماذا لو كانت الكارثة أقرب؟

ماذا لو كانت الكارثة قد حلت بنا أو بعائلاتنا، وأن يتم عرض صور الأقارب على الملاْ بثياب النوم الممزقة، وتصبح مصيبتهم وأحزانهم مادة للتداول والسر على الموبايلات بين الأشخاص والبلدان، ليدخلوا بمصيبتهم التي حلت بهم أرشيف الصحافة والإنترنت للأبد؟

من الصعب فهم ما يمر به الآخرون الذين يعيشون كوارثاً غير قابلة للإدراك بالمشاهدة، إذ لا يدرك ذلك إلا بالتجربة، إلا أن ذلك لا يمنعنا من التعاطف، ولا يمنعنا من أن نضع أنفسنا مكان هؤلاء الضحايا في محاولة لدفع الكاميرات عن وجوههم ووجوه أحبتهم.

هنالك تطور لعلم الأخلاق يحدث بالموازاة مع تطور العلوم والتكنولوجيا، أو بالأحرى لممارسات الأخلاق في ظل الأدوات الجديدة، لذا فمفهوم مثل الخصوصية تطور بدوره، ولذا تخرج آلاف الأصوات يومياً للمطالبة بالحق في حماية البيانات، وعدم بيعها وتداولها للشركات وتسليع البشر لصالح الشركات العابرة للقارات.

من نفس المنطق لابد أن تكون هناك مطالبات لحماية أجساد الضحايا باعتبارها من الخصوصيات أيضاً، وأن تفرض عقوبات في حال تم انتهاك هذه الخصوصية.

من ناحيةٍ أخرى، ذهب المقال الصادر عن مجلة الصحافة التابع للجزيرة بالقول أن الالتزام بأخلاقيات التوثيق الإعلامي في وقت الكوارث هو من الضرورات الملحة، حيث وضعت مجموعة من النقاط لتحقيق ذلك نذكرها على سبيل المثال لا الحصر:

  • عدم استغلال صور الأطفال في حصد المشاهدات والنقرات والاستعطاف المجاني بغية جذب الجمهور وتحقيق الانتشار.
  • أن يكون التوثيق هدفه إثارة انتباه الرأي العام لحجم الكارثة، وتوعيته بشأن وسائل الدعم والمساعدة.
  • إخفاء وجه الطفل إذا تطلب الأمر، أو التقاط الصور من مسافات بعيدة والتي تخفف من وطأة الصور القاسية.

وعليه ومن خلال ذلك كله، فإننا نحتاج إلى وقفة طويلة لمراجعة أنفسنا، وإلى طرح ذلك النوع من الأسئلة التي تجمع الأخلاق بالتكنولوجيا، مثلاً هل نحتاج إلى إعادة تعريف الخصوصية في زمن الكاميرات؟ أم هل نحتاج لميثاق أخلاقي إعلامي مُلزِم قد يصوّب الممارسات التوثيقية الإعلامية ويجعلها أكثر مهنية وأكثر مراعاة لحقوق الضحايا والمستفيدين؟

توصيات:

من خلال ما سبق فإننا نوصي بالآتي:

  • ضرورة إصدار ميثاق أخلاقي يكون بمثابة دليل ومرشد للصحافيين والعاملين في المجال الإنساني، بحيث يكون التوثيق الإعلامي مستنداً لشروطٍ أخلاقية ومهنية من شأنها أن تحافظ على منظومة القيم الأخلاقية للعمل الإعلامي.
  • ضرورة توعية الأفراد والمؤسسات الخيرية لأهمية الحفاظ على خصوصية وكرامة الضحايا وعدم تجاوز ذلك بأي حالٍ من الأحوال.
  • ضرورة إيجاد بدائل لشكل التوثيق، كأن يتم تصوير الضحايا من زوايا بعيدة لا تظهر وجوههم وتعرضهم للأذى، أو أن يكون التوثيق للضحية بعد موافقته على شكل التوثيق بعد أن يتم استئذانه وشرح عمليه التوثيق له بالكامل.
  • تكثيف التوعية الإعلامية لمسألة الحفاظ على كرامة الضحايا، من خلال نشر المقالات وعقد اللقاءات والبرامج التي تتناول هذه القضية، ووضع الحلول المناسبة لها بما يتفق مع كرامة وخصوصية الضحايا.

 

روابط المقالات الأصلية:

https://raseef22.net/article/1091853-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D8%A7%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%8A%D8%AA

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid032JZTLQae4z5N7XkCBWUugSiZ33MgR7tg9ujXYXyU2WTJn8e9SjWQj939q8pduzMLl&id=

1731444943808561&mibextid=qC1gEa

كلمات مفتاحية

  • المساعدات
  • التصوير
  • الخصوصية
  • انتهاك
  • أطفال
  • الكوارث
  • الأزمات
  • زلزال
  • أخلاقيات
  • توثيق
  • إعلامي